Saturday, April 30, 2016

حلب من حلمِ أبوظبي


حلبْ من حُلُمِ أبوظبي 



 بعدَ صورِ حلبِ المدمرة الذي ملأتِ الصفحات ليلةَ أمس، ومع تعبٍ داخلي، وصفحاتٌ وصفحات قرأتها عن الخطاب والتبادل والسلطة خلال هذا الأسبوع كان ختامها  في الليل حلماً بسيطاً في أبوظبي.
صديقتي العزيزة من حلب، والتي لم أحادثها من شهور، تصالحنا في الحلم، وصورُ الدمارِ تمرُ بجانبنا في كل لحظة كلام. "حلب يا نبعاً من الألم، تمشي ببلادي" تسري في الخلفية في الحلم الجميل.
حلمٌ شملَ الحرب والدمار، وشملَ صلحاً جميلاً في مكانٍ أتخيلهُ وأتخيلُ بناؤه في برجٍ وسط أبوظبي، ولكن الحرب تفرق لا تُجَمِعْ.
صلحٌ أتى بسببِ الحرب، خوفاً من الموتِ فقط، حلمٌ لم ينتهِ إلا بعد صحوتي صباحاً بساعات، فأنا بكلِ إدراكي كنت مصرةً أني كنتُ معها في أبوظبي في الصباح، أو وجه الفجر لنكونَ أكثرَ دقةً، كانَ الوعي الداخلي لديّ مصراً بأننا تصالحنا، وبأن سوريا عادة سوريا التاريخ والمجد، وبأن الاستبدادَ والظلم رحل، وبأننا عدنا صديقاتٍ مجدداً، وبأن حلب تزهرُ كعادتها، تنتجُ مسلسلاتها وطعامها الشهي ويتحدثُ أهلها بلهجتهم المميزة.
عادت سوريا في حلمٍ بدأ من أبوظبي لأيامِ العزِّ والتطور، عادت لتكونَ الأبهى والأعرق، عادت لتكونَ سوريا المجد، سوريا البعيدةَ عن الأسد، سوريا العادلة وسوريا الحرية، الحب، النقاء، الجمال، التميز والقوة، سوريا ذات المنتجات الأفضل من الإيطالية، سوريا التي كانت ومازالت زياتها هي عزٌّ وتباهٍ.

ضاعت تحتَ الأنقاضِ والحرب، ضاعتِ العلاقات. لم يُعِد الحلم سُوريا العِزّ، لم يعدْ لي صديقتي، لم تجمعنا الكلماتُ مجدداً، لم ألقاها ولم أعد متأكدةً من لقائها. لم أعد متأكدة من أني سأتمكنُ من زيارتها يوماً، صديقتي ودمشق وحلب.. لم يعد الإنسانُ يدري سببَ الدمارِ أو نتيجته. ولم يعد للناسِ شيء، بيوتٌ هدمت وورودٌ ماتت، لم يعد لهم حتى الكلمات، تعتقلُ أو تقتلُ أو تسجنُ بسببها، أو تذهبُ وراء الريح كما رحل عديدون.

حتى اليوم هناك من اختفى بسببِ كلماتٍ كتبوها قبل عشرينَ عاماً، وحتى اليوم ما زالتِ الحربُ تفتكُ بشعبِ سوريا وشعوبنا الكثيرة. وحتى اليوم ما زال حضورُ الحربِ مؤذياً، فالدمُ لا يذوبُ مع الوقت، ومشهدُ طفلٍ مات على الشط، وآخرُ توفيَ على طرفِ رصيفٍ لن يُنسى.

وإلى أبدِ الآبدين لا يوجدُ وليُّ أمرٍ يفرضُ علينا اتباعهُ بعد قتلِنا! أو بعدَ قتلِ شعبه.

وإلى أبدِ الآبدين يرنُ سؤالُ فيروز ببالي: "يا ترى اللي بيندفع حقه ناس هو أغلى من الناس؟" (يعيش يعيش) 

- من رام الله

No comments:

Post a Comment

هوامش عن الموت 1

متى نعلم الناس بتلك الأخبار التي تزعجهم؟ والتي إن عرفوها لا يعودون لحظة للخلف. متى نقرر كيف نخبر الناس ما يؤلمهم أو يفرحهم، تلك الأخبار التي...