نعمتُهمْ
تبدأُ الحياةُ من لحظةِ الاندماج،
وبالتالي اعتباطاً تتكونُ الدنيا من حالاتٍ من الاندماجاتِ المتتالية، نندمجُ
بدايةً داخلَ الرحم، ثم نبدأُ بالاندماجِ عاطفياً في الأم، ولا ينتهي هذا النوعُ
من الارتباطِ أبداً.
نخرجُ من الرحم ونتركُ مياهَ الرحم والحبل السري وراءنا لنبدأ
بالحياة، فننظفُ ونلفلف ونُمسحُ بالزيت ويحبنا الجميع، أو معظمُ الناسِ على الأقل.
في البداية بيئتنا والكونُ كله هو عائلتنا وجيراننا ومن نتعرضُ لهم بفعلِ الأهل،
ومن ثمَّ ننتقي محيطنا بانتقاءِ أصدقائنا من خلال البيئة التي يفرضها الأهل
باختيارِ المدرسة والحي السكني وحتى المولات والأشخاص الآخرين الذين سنراهم.
ننتقلُ للمرحلةِ المكشوفة أكثر ونبدأُ نحن بانتقاءِ من نريد، هذه
بغيظة وهذا نسونجي وهذه لا تسألُ إلا لمصلحة وغيرهم كثيرون.
وكما تكونُ الدنيا "Karma" أي ما يعطيه هو ما تأخذه، كانت الدنيا لدي بأفضلِ صديقات،
ولربما هي حظوظٌ من عندِ الواحد.. المهم، ما الميزةُ بصديقاتي؟ ولماذا أباهي بهم
الخلقَ والمخلوقات؟
من المهم أن يكونَ لدى الجميع بئرٌ آمن، أو نقطةُ التجاءٍ عند التعب،
ولهذا وجدَ الله الأصدقاء، هم الذين لا تفرقهم السنين والمسافات، هم الأشخاص الذين
لا يتوجبُ عليك مكالمتهم يومياً ولا التأكدُ من منزلتكَ في قلبهم أسبوعياً، هم
الأشخاص قليلو العتب وكثيروا والمحبة والحرص، هم الذين يساعدونك عندما تنقطعُ عنك
الدنيا وهم الملجأ في الأوقاتِ الصعبة، هم الذين لا يتغيرون مع مَرِّ ومُرِّ
السنين، وهم الذهبُ الذي يصعبُ استخراجهُ لنقائه وندرته.
أصدقائي صديقاتي واندماجنا سوياً يعني، يعني أن تمضي سنواتٌ دونَ رؤيتهم ولكن لا تنقطعُ
أخبارنا، ولا ينقطعُ كلامنا حال الرؤيا، هم الذين كانوا وسيبقونَ الصدرَ الوفيَ
الصادق الذي لن يجامل ولن يدعني أخطأُ دون تنبيه، هم الحقيقةُ بين واحاتِ السراب
الذي يزداد بزيادةِ العمر..
صفاتٌ صفاتٌ لا تنتهي، ولكن الأصدقاء كثر، أوجهٌ وأشكالٌ وأنواعٌ وأطباع،
أهم ما يجبُ أن تبحثَ عنه هو الحقيقة والصدق، الحرص وعدم المجاملة، والخوف عليك
حتى من ذاتك ومن الآخرين، فمن لا يحرص عليك ولا يخاف عليك هو يجاملك ولا يحبكَ
فعلاً.. في الصداقة هناك حب، وفي الحب هناك معرفة، وفي المعرفة يزيد التشبهُ والأخذُ من الآخرين بصفاتٍ وأفكارٍ تكثرُ وتتكاثرُ بالمعرفةِ والمحبة، ولا مشكلةَ في الاختلافِ والتغير خلال السنين، ولكن المهم أن نبقى أصدقاء حتى مع التغيرات، أن نتقبلَ ونعيشَ مع بعض دون أن حرج.
No comments:
Post a Comment