Tuesday, July 28, 2015

طفلةٌ في الحافلة


طفلةٌ في الحافلة 



يكفي أن يأتيكَ في يومٍ ما شخصٌ يخبركَ بأهميتكَ في حياته, يكفي أن يكونَ لكَ أثرٌ في كلِّ من يعرفك.
يكفي أن تؤثر في كل من هم حولك ولو بكلمة.. يكفي أن يذكركَ الناس بعبارةٍ قلتَها ذات يوم ليتخذوها منهجَ حياة ويخبروكَ عنها لاحقاً.
لا يجبُ أن تكونَ عالمَ ذرة أو آينشتاين الجديد لتضع بصمتكَ في كل من هم حولك.
بسمتكَ التي لا ينساها صديقٌ قديمٌ لك, كوبُ شايٍ نصحتَ آخراً بهِ فأحبه, عبارةٌ قلبتْ أشخاصاً آخرين, طفلُ زرعتَ بداخلهِ بذرةَ شكرٌ أو عطاء, قهوتُكِ المُرّة التي تعودت صديقتكِ عليها بسببكِ, والتي بسببها قطعتْ كلّ مشتقاتِ السكر من قهوتها إلى الأبد.
حبٌ زرعتهُ في قلبِ آخرٍ عاشَ بهِ حتى بعدَ غيابك لسنوات, وعطاءٌ متجدد  أهديتهُ لشخصٍ عزيز عليك.

تكبُرُ طفلةٌ رأتكِ ذاتَ يوم, تلك الطفلة جلستْ بجانبكِ في حافلة مليئة بالركاب, تلك الطفلة لم تتجاوز العاشرة مرتديةٌ عباةً سوداء وحجاباً يغطي شعرها الطفولي, وأنتِ الفتاة الشابة بسماعاتٍ في أذنيكِ, تتنقلينَ في مدينةٍ كبرى لوحدك, نظاراتكِ الشمسية تنقلينها بين عينيكِ وشعركِ المنساب, لربما رأتْ فيكِ حياةً أخرى تتوقُ لها, ولربما رأتكِ العاصيةَ الكافرة, فأنتِ لا تعرفين.
تحملينَ بأني تكوني نقطةَ تغيرٍ في حياتها بسبب هذه الدقائق التي رأتكِ فيها, بغض النظر عن النتيجة, تحملينَ بأن تؤثري في الجميع, حتى في فتاةٍ لم تسمعْ صوتكِ!
هل تصبحُ هذه الفتاة كاتبةً ف يومٍ ما وأنتِ السبب في رؤيتها المختلفة للعالم, هل تصبحُ هذه الفتاةُ تتقبلُ الآخرين جميعهم دونَ تفرقة, هل رأتْ فيكِ مرآةً مختلفة لحياةٍ لربما هي لم تحيَها.. هل تصبحُ عندما تكبر فتاةً متشددةً أكثر تكرهُ كلَّ من خرجتْ عن تعاليمِ الدينِ برأيها؟
لا تعرفين, ولنْ تعرفي.. حتى ملامحُ وجهها الشاحبِ البريء بدأت تضيع من ذاكرتكِ, فهذه الذكرى عبرت عليها سنوات, ولربما لم تذكركِ أصلاً.. ولربما بعدَ أن تفحصتكِ جيداً بعينيها وهي في حضنِ أمها نسيكِ مباشرة, ولم تكوني سوى لحظةٍ عابرة من حياتها المتقلبة.
لن تتأكدي يوماً من الإجابة, والحياةُ أحجياتٌ تُبنى.

طفلةٌ لربما قلبتِ حياتها بتأملِها لكِ لدقائق, ولربما لم تشعر, وآخرين أنتِ تعرفين كم  أثرتِ بهم بكلمة, بتصرفاتٍ, أو حتى بعباراتٍ قلتيها خلالَ نقاشاتٍ كنتِ ثملةً خلالها, كنتِ أنتِ ثملةً خلالها ومنهكةً من تزاحمِ الأفكار والدخان والمشاكل في لحظتها.
ثملتِ على الكلمات وتفوهتِ بها, بكِ عادةٌ أنتِ أيتها الشقية بأن تقولي لهم: "لا تنسوا, لا تتناسوا كلماتي هذه سوف تسعفكم يوماً ما", ولا تتوقعين بأن يتذكروا... يتخذونها عبارةً ليكملوا بعضاً من بعضِ حياتهم عبرها .. 

 انتبهي.. انتبهي لكلِ كلمة, لكلِ نظرةٍ ولكل التفاتة, فأنت لا تعرفُ متى يأخذكَ الآخرينُ قدوةً للبعضِ الحياة, ولِنَكنْ واقعين, لا أحد يصلحُ قدوةً في هذه الحياة.

1 comment:

  1. رائعة يا صديقتي أتوق دائما لكتاباتك :)

    ReplyDelete

هوامش عن الموت 1

متى نعلم الناس بتلك الأخبار التي تزعجهم؟ والتي إن عرفوها لا يعودون لحظة للخلف. متى نقرر كيف نخبر الناس ما يؤلمهم أو يفرحهم، تلك الأخبار التي...