شوق
لا عحبَ في أن تشتاقَ أشخاصاً بقربكَ دوماً..
ولا عجبَ في أن تتوقَ لأرواحٍ موجودة في المدن..
فلا المدنُ هيَ سببُ الشوق, ولا المسافاتُ هيَ التي تُوَّلِدُ الرغبةَ, ولا البعدُ يُحضرُ الشغف.
اشتياقٌ يوجعُ وآخرُ يختلف.
اشتياقُ أمٍ بعيدة غريب! لن أستطردَ كما الشعراء, فالأمُ هيَ مدرسةٌ ولكن شعورَ بُعدها غريب, فهي ليستْ بعيدةً أبداً, وليستْ غائبةً عن القلب, هيَ قريبة, قريبةٌ جداً حتى وإن قلَّ الكلام وبَعُدَتِ الأميال, وهيَ بعيدةٌ حينَ تشتاقُ لصراخِها في مساءٍ هادئ, حين تشتاقُ أن تراها عندَ العودةِ ذاتَ يوم.. هيَ بعيدةٌ عندما تُشعركَ الدنيا بِثِقلها فجأة, وكأنَّ كلَّ أكتافِ الدنيا غابت, فلن يكفي ليملأ مكانَ كلمتها أحد.
لم أُبهر يوماً بقصيدةٍ تتغنى للأم, وها أنا أعترف بأني لم أدمع يوماً لأغنيةِ "ست الحبايب", ولم أتأثر يوماً بـ"أحنُ إلى خبزِ أمي", ولكن "أمي يا ملاكي" هي الواحدة الوحيدة التي ناسبتني.
والأدبُ تغنى بالأم لربما بقدرِ ما تغنى بالوطن, ولكن لم تلمسني سوى عبارةٌ جديدة خَطّها #زياد_خداش: "أظن أن ذلك هو ما فكر فيه الله الحبيب: سأخلق الأمهات ليكره الناس الحروب، وسأخلق الحروب ليشتاق الناس الى الأمهات. لا الحروب كفّت عن أن تكون، ولا الأمهات كففن عن أن يكنّ، هي الحياة إذن حروب وأمهات".
تبقى الأمُ القريبةَ رغمَ البُعد, والبعيدةَ أحياناً من كثرة القرب.
ماذا عن حبيبٍ ترينهُ كلَّ يوم ولا يسعُكِ ضمهُ, فبقدرِ ما تتوقينَ للقربِ منه وكأنه صديقتكِ كلَّ يوم, إلا أنَّ هذا لا يحصل.لنرَ الزاويةَ الأخرى, فتاةٌ تَيّمَكَ حبها ولكنها بعيدة, تراها في كلِ يوم من بعيد, كلماتٌ بسيطة تتبادولنها بينكم مرةً كلَّ عدة أيام.. وتبقى هيَ اللغز الذي تتوقُ أنتَ لحله, تبقى هيَ شمساً لا تشرقُ في أيامِ الشتاء.
ها أنتما الآن متحابان, تلتقيانِ كثيراً, تثرثرانِ لساعات وتمضيانِ الوقتَ سوياً وبكثرة, لوحدكما, مع أصدقاء, مع الطبيعة, مع الشوارع وحتى مع المطر.. التقيتما الآن, ولكن لماذا لا يختفي الشوق؟
ها أنتما الآن متحابان, تلتقيانِ كثيراً, تثرثرانِ لساعات وتمضيانِ الوقتَ سوياً وبكثرة, لوحدكما, مع أصدقاء, مع الطبيعة, مع الشوارع وحتى مع المطر.. التقيتما الآن, ولكن لماذا لا يختفي الشوق؟
تضحكان, يراكما الجميعُ تضحكانِ بطريقةٍ لا تكونُ إلا بينَ متحابين, وبعدَ ساعاتٍ من ضحكٍ وشمسٍ ومطر, وبعدَ ضحكةٍ وسكوت, تشتاقان مجدداً, مع أنكما في نفسِ المكان!
وهوَ, هوَ الحبُ الذي مضى ولن يعود, هي التي أخذت جزءاً من قلبكَ ولم تعده, هي لنْ تعودْ, وهو لن يبكي تحتَ قدميكِ راجياً. لماذا لا تشتاقُ إليها كما تصورتْ؟ لمَ لا تبكينهُ دماً بعدَ أن رحلَ بمحضِ إرادته؟
إن رحلَ الحب, لا البُعدُ ولا المسافة ولا الموتُ حتى يعيدانه, فيا عزيزي ويا عزيزتي, الحلولُ التي تأتي متأخرةً انسوها..! هيَ لا تُسمنُ ولا تُغني من جوع..
إن رحلَ الحب, لا البُعدُ ولا المسافة ولا الموتُ حتى يعيدانه, فيا عزيزي ويا عزيزتي, الحلولُ التي تأتي متأخرةً انسوها..! هيَ لا تُسمنُ ولا تُغني من جوع..
البعيدُ عن العين ليسَ بعيداً عن القلبِ أبداً, لم يكن ولن يكونَ يوماً.
البعدُ بالمسافاتِ الإجباري لم يُفرِقَ أصدقاءَ يوماً.. أصدقاءٌ حقيقيون كانوا أوفى حتى من "عهدِ الأصدقاء".
ثلاثُ سنواتٍ مضت إلى اليوم بعدَ انتهاءِ المدرسة, من دفعةٍ كاملة تخرجنا سوياً, تكونت مما يزيدُ عن 163 فتاة, بقيتُ الآن بصحبةِ 7 فقط.. 7 هذا الرقم السحري بالنسبةِ لي.. المهم, سنواتٌ ويبقونَ هم الأساس.. سنواتٌ تمضي وتبقى ذكرياتهم وذكرياتُ المدرسة أكثر ما يقرُ في القلب.. مثالٌ صغير أعطيته لأقولَ أن المسافات تُغير ولكن ليستِ المفصلَ الرئيس, فالبعض يتغيرُ سوياً, المهم أن لا يُخيفَ التغير الآخرين ويبعدهم.
شوقُ المدن حكايةٌ أخرى.. مدنٌ تنمو بداخلنا ومتى غِبنا عنها لفترات شعرنا بانتزاعِ روحنا مِنا, ذلك المدرج, وتلكَ الساعة, ذلك الشارع وهذا المنزل! ذلك الحاج وتلك المرأة وهذا العجوز وذلك الطفل وهذا الحجر! والمدنُ تختلفُ عن شوقِ شعورِ الوطن.
الوطنُ ليسَ الأرض فقط, ليست قطعةً تُباعُ وتشترى, الوطن شعورٌ يعتريك عندَ وصولكَ للقمة, هو قمةُ الفرح صباحَ العيد, هو قمةُ الحزن عندما تشعرُ بجزءٍ منك يتنزع, هو ضحكاتُ أصدقائكَ حولك بعدَ هروبكم سوياً من حصة واختبائكم في أبعدِ نقطة عن غرفةِ المديرة. هو ذلك الفطور لأولِ يومِ رمضان مع العائلة, هو تلك العلامة السيئة التي ضحكتِ عليها أنتِ وصديقتكِ, هو تلكَ القصص والفضائح التي تظهر مع كل جلسة بين العائلة والأصدقاء, هو تلك "القَتْلِة" التي أكلتماها أنتَ وأخاك لأولِ مرة مُسِكْتُمْ متلبسين تدخنون في الحارة, هو أولُ قبلةٍ على خدِ أولِ حبيبة, وهو أولُ شتاءٍ أدركتَ فيهِ أنكَ رجل وأصبحِ للشتاءِ قصةُ حب, وأدركتِ أنكِ فتاة وتشعرينَ بالكثير. والأهم من كل هذا, هو الشعورُ بقمةِ الأمان في الحزن والفرح في كلِّ هذه اللحظات.
شعورُ الشوقِ للوطن لطالما سَبَّبَ لي مشكلة! هو الشعورُ الوحيد الذي منذُ رحل تلخبطت حياتي. قُلِبَتْ رأساً على عقب!
متى شعرتَ بالوطنِ يتغلغلُ بداخلك لا تدعه يرحل! دع لهُ المجالَ ليتسربَ بينَ ثناياك ويستقرَ بينَ الخلايا.
شوقُ الإخوةِ والأب, شوقُ الحبيبِ بعدَ سَفر, أو بعدَ مشكلة حتى لو في نفسِ الغرفة, شوقٌ لرؤيةِ صديقة في اليوم التالي لتسردي لها كلَّ الحكايا, شوقٌ لمعلمةٍ أو أستاذ أعطاكَ للحياةِ أكثر مما تتوقع.
شوقٌ لكتابٍ أفلتهُ من يديك رغماً عنك, شوقٌ لأن تنهي كتاباً لتبدأ بالذي يليه.
شوقٌ لأن ترى المستقبل لترى شجرتكَ التي زرعتها بيديك قد كَبُرتْ.
أشواقٌ كثيرة, لكنَّ الشوق برأيي يفترضُ أن يكونَ عاملَ التقويةِ لا الإضعاف.
اولاً: البارحه كنت أود سؤالك إن كنتِ قد كتبتِ شيئاً فأنا تعجني كتاباتُكِ جداً.
ReplyDeleteثانياً: إن ما كتبته يا مجد هو رائع حد الشوق وحد الجمال وحتى حد الحُب .. رائعه هذا الكلمات :)