امتلاء
اقتنع لأول مرة أن الإنسان
يعيش دون خبز، دون خبز ودون تمر، إن اكتفى من عوامل أخرى خارجية تشبع الروح. لأول
مرة أعيش
بهذا القدر المتواصل وأنا أشعر كل لحظة وكأنها في حلم. لأول مرة أرى
الصباح مشرقاً في بلدٍ ولدت لها الكآبة. لأول مرة، أيضاً، أعرفُ أن التنظير على
مستوى الحياة لا يعني شيئاً عندما يوجدُ الأشخاص.
عندما يوجدون هُمْ تشعر
بنفسك مرتاحاً، تشعر بشوقٍ للأرض وكأنهم شَكّلوها. عندما يوجدون يختفي الخوف،
يتسلل الاستقرار وتزهر الشمس. عندما يوجدون تنسى من أنت ولمَ أنتَ هنا وتتمنى أن
تصلي، أن تصلي ألف مرة لأجله هوَ الذي أعطى النِعَمَ في الأنفُس وسخرّكم سوياً.
لن تستطيع يوماً تفسير ما
فيك، لن تقدر على تقديم ما لا يوجد في تجاعيد وجهك لآخرين، لن تستطيع أن تتظاهر
بالصدمة واللهفة والحب كما تكون في الواقع، ولن تستطيع إلا أن تسأل، كيف تُقسِمُ
الدنيا العلاقات والحب علينا؟
حالة الامتلاء لم تكن ممكنة
من قبل، ولم يكن الفراغ الموحش بعدها وارداً، لم أتخيل أن أرى لحظاتي أمامي وكأنها
روايةٌ، ولم يكن من الممكن أن أسمع صوتي دونَ أن أكون أنا. كيفَ ضعتُ في نفسي. كم نحن سذج، كم
من المستحيل أن أَعْصُرَ الوصفَ لتفهمه أنت.
كيف يستطيع المبدع أن يصور
كل ما يحدث بكلمتين؟ أولئك الخارجون عن التاريخ والحياة هم من يستحقون المعرفة، هم
من يستحقون أن تكون قريباً منهم. هؤلاء، أولئك المختلفون لن تلحظهم إلا عندما ترى
تغيرهم، عندما تدرك لأول مرة كيف يصنعون الحوار والحياة بشكلٍ يظهر تلقائياً
ولكنهم يخفون أشخاصاً، أشخاصٌ وأشخاص مخبأون فيهم. ليس ذماً وليس كرهاً ولست انتقد، أنا أصف. أشخاصٌ تدرك أنك
محظوظٌ وأنت تقترب منهم حبةً حبة، نورٌ يشع وكأنك تلمسه بقدسيته صباح عيد القيامة. نورٌ
تخاف وأنتَ تلمسه. وكأن نور الجنة أمامك وأنت لا تقدر، لا تقدر، لا تقدر أن تلمسه
وتبقى مكانك. في لحظاتٍ أصبحت تدرك أنك لم تر سابقاً.
لا تكون القيامة من الموت
فحسب، تكون من التعب، وأشد ما تكون، تكون قيامةً من الوهم. حالةُ
الوهم التي نخلقها أو نفترض أنها الطبيعة. كل ما أوهمنا أنفسنا بأنه السياق،
فليحترق!
أن تسمع صوتكَ وكأنكَ آخَرٌ هي لحظةُ انفصال، انفصال عما أنت وعما تقول، لحظة انفصال تجعلك تسأل، هل أنا أعي من
أنا؟ هل أنا أعي ما يحدث فيي؟ هل أعي؟
من أنا اليوم؟ من أنتم. كيف
قَسَّمَ الحظوظَ فأصبحت في حالة رضى، رضى حد التخمة، حد المساءلة وحد الإجهاد
والامتلاء.
كيف ترحل الدنيا منا والزمن
حلم؟ كيف نسمح لأوقاتنا بأن تهرب منا. مَن هذا الوقت الذي يتحكم بنا أكثر مما نريد
ونسمح. من سمح لك بأن تزيل سعادتنا بتحكمك مَن!
كم غريبة هي اللحظات الفوتوغرافية التي تُحفظ في الذاكرة الصغيرة التي نحملها، كم غريب أن ترى نفسك وكأنك في رواية ترحل بك. ماذا إن كنا أجزاءً من رواية ونحن لا نعرفها، كان حلماً.
10.3.2017