Monday, February 27, 2017

ترحل الذاكرة عندما نبغيها

ترحل الذاكرة عندما نبغيها

فلنفترض أنك في جلسةٍ لم تستطع فيها أن تر الوجوه الموجودة أمامك. الآن، لم تستطع إلا أن تراها وهي في السبعين من عمرها أو ربما أكثر. لم تقدر إلا أن تراهم جميعاً عجائز كبار، تتخيلهم في حالة فوضى وغضبٍ عارم على طفلٍ صغير يضحك بصوتٍ عال، رأيتَ الرقيقَ منهم مقابل المئات الغضبى، رأيت وجوهاً صعبةً لا تنتهي في لحظةٍ واحدة.
في هذه اللحظة اليتيمة كيف فقدتَ الزمن وخرجتَ من جلدك، وفي تكرار هذه اللحظة لاحقاً كيف أنقذت نفسك؟
لماذا استطعت رؤيتهم بشحوبهم وتعبهم والغضب الذي لم يمحى عن وجوههم، ولِمَ تستطيعي أن تَري نفسكِ؟ لماذا لم تري يوماً وجهكِ بعدَ السبعين، هل ستقف الدنيا فيكِ قبل أن تفكري ببلوغ السبعين، أم أن هذه أزمانٌ لا تريدينها. لماذا لم تري وجوههم الشابة المليئة بالضجيج، بل رأيت ما لاداعي له.
ولكن، لم تنسيهم فهل ينساكِ أحد. هل من الممكن فعلاً أن تنسَيْهُم وقتها، ولكن الأهم، كيفَ ينساكِ هوَ؟
كيف نسيكِ في ليلةٍ كئيبة كتلك، لا، لم تكن كئيبة إلا حينَ أدركتي نسيانه المزعج. المفقود الموجود، والغائب الذي ما زال يغيب.
في بقعٍ على هذه الأرض تمتلأ الحياة فجأة، وتدورُ تدور الدنيا حتى تتعب ويتعب الحبيسون في اللحظة. تدور الأرض حتى يفقدوا إدراكهم بالزمن، بالمكان، بأي شيء لم يشعروه، تدور الدنيا فتنسى أنك فيها أصلاً. تدور الدنيا ثم تقف، وقفٌ صعبٌ لا محمود. هي تلك الثانية التي لا تستحضرُ فيها إلا وجوههم المتعبة، تجاعيدَ يديكِ المقلقة، وكل لحظاتِ الدنيا.
عندما تدورُ الدنيا وأنتَ واقف تتخيلُ حياة الآخرين على الأرض، هل تصدق أنه في نفس الوقت الذي كنت أضيع فيه الوقت كانت فلانة تتخرجُ من المدرسة وآخر يتزوج وثالث يحس ألم الموت في صدره قبل أن يبكي. هل من الممكن أنه في لحظاتٍ أمضيتها في الطريق انهارت أعصاب إحداهن، هل من المنطقي أنني وأنا أبكي وأشهق، وحين ينصهر البكاء من جوف الأرض ليخرج من صدري هناك طفلٌ يضحك وحبيبٌ نائم.
آخ أيها الحبيب النائم وأيها الطفل السعيد، يا طفلي السعيد المدلل ما زالت الدنيا طويلة، طويلةً طويلة حتى تجري ولا تعادُ أنتَ تدركها. ما زالت الدنيا أمامنا ولكن عتبي عليك كيف تنسى؟ كيف تنسى بركان بكاءٍ شق صدري.
عندما تقف بكَ الأرض في فرح ثم تشهق لتجد في نَفْسِكَ صدعاً لا يُرمم ماذا تفعل؟ وعندما تضحك حتى تتعب الدنيا من وجهك ماذا تفعل لتعود دون ابتسامة؟
طيب، وعندما تدورُ تدور مجدداً في وجوه الناس كيف تداري تعابير وجهك وهو يحلل ويحكم دون حق؟
كيف تنسى يا عزيزي ابتسامة الصباح التي وجب أن ترسمها على وجهك حتى يكون يوماً فرحاً؟ كيف تنسى حبة السكر الصباحية وقهوة الليل حتى ترتاح، الأهم كيفَ تنسى الأهم؟ 
إن كنتَ حددتَ الأهم، وأوضحت أنه الأهم، هل تنسى فعلاً؟ هل تتناسى، أو ترحل منا الذاكرة عندما نبغيها؟
عندما نطرق جدران الذاكرة فلا يجاوب أحد ماذا تفعل؟ وعندما ترى السوْرَ يتهدم طوبةً طوبة، هل تقيمه أم تهدمه بيدك؟ كيف تلاقي ضميركَ إن سألك لماذا هدمت سوراً صالحاً لسنواتٍ عجافٍ بعد، وفي النهاية كيف تبرر ما تشعر؟!
كيف تُعَقلِنُ ما تريد وما تشعر، كيف تفسر لأحدهم غضبك منه دون أن يدري. كيف تجعل عقلك ثابتاً، لا متعدياً على شعورك، دون أن تهملَ شعورك. أتكفي ألف لحظةِ حب ونشوة لتمحي لحظتي تعب وأسى؟
كيف تنسى يا عزيزي كيف..

 28/2/2017

هوامش عن الموت 1

متى نعلم الناس بتلك الأخبار التي تزعجهم؟ والتي إن عرفوها لا يعودون لحظة للخلف. متى نقرر كيف نخبر الناس ما يؤلمهم أو يفرحهم، تلك الأخبار التي...