Monday, February 15, 2016

الفقد والحميمية

الفقد والحميمية

هل من علاماتِ الشيخوخة أن تبدأ السنواتُ وتنتهي بالوفيات؟ أم أن تطور الحياةِ وزيادة الناس هو السببُ في ذلك.. 
مرّ عامٌ وهذا الثاني ومن بدايتهما لم تتوقف الأرواحُ القريبة بالرحيلِ عن عالمنا، والسؤال الذي يراودني ما المغزى وما سببُ كثرة الوفاةِ مؤخراً؟ لا اعتراض بالطبع على حكم الله ولا على الموت، ولكن هل هي مصادفة؟ أن نبدأ الأعوام وننهيها بوفياتٍ يرحلون عن عالمنا أرواحاً وأجساداً؟ 
لربما هو أسلوبٌ جديد بتقريبِ الموتِ لنا، فالشهداءُ يرتقون يومياً في جميع الدولِ وبمختلف الأشكال، وأصبح ألمُ القلب عليهم  غريباً، نشعر بهم قريبين وبعيدين.
للأسف بدأت لدي ردة الفعلِ العكسية، فأنا أعرفُ نفسي، أنا من أسوأ الأشخاص الذين يقومون بالتعزية، وأنا الأسوء في نقلِ المشاعرِ الخاصة لغيري.. لا أعرفُ لماذا بالتحديد ولكن لستُ من أفضلِ الناس في تقديم العزاء وأرجو ألا أضطر يوماً لسماعهِ وتقبلهِ عن أحد أحبتي.


خصوصيةُ الفقدِ والألم


في حديثٍ قريبِ المدى قررنا أنا وصديقتي أن الأنانية هي جانبٌ موجود وسيءٌ في بعضِ الأحيان، فاتفقنا أنه من حق المرأةِ والرجل عدم الزواج، أو أن الأنانية بعدمِ الزواج أو عدم الإنجابِ هي موجودة، ولكن بقينا على بعد من مسافة تحديد النقطة التالية: ما الأفضل، الأنانية بعدمِ الإنجاب وتفضيلِ النفس والتأكد عند عدم قدرة الإنسان على تحمل الأعباء، أم يفضلُ الزواج والإنجاب ومن ثم تذكر الأنانية ونسيانُ الأطفال؟ ومَنْ مِنْ حقهِ تحديدُ الأفضل..

مِن هذه النقطة بدأت أدركُ مدى خصوصية الألم والسعادة على حدٍ سواء. في كثيرٍ من المواقف نرى اللائمين من أصحابنا الذين يعتبون لماذا لم نخبرهم بالخبر السار ذاك أو لم نستشرهم عند حدوث المصيبةِ تلك، ولكن مع مرور الوقت، وكلما زاد عمري يوماً أدركتُ مدى خصوصية السعادة والألم، وأدركتُ مدى أهمية الاحتفاظ بأجملِ الأشياء وأصعبها بعيداً عن أعين المارة، ليس من باب الغموض، أو خوفاً من حسدٍ يتمشى بيننا، بل احتفاظاً بحميميةِ المشهدِ في قلبي.
عند نقطةِ الألم الأعلى التي نمرُ بها نخشى أحياناً على أحبتنا من الأخبار أكثر مما نخشى على أنفسنا، فالحياةُ قدرٌ مكتوب و"اللي عليك عليك"، ولكن نعرفُ أن القلق الذي سنسببهُ هو الأكبر.. 
بنفسِ القدر هناك درجةُ سعادة نشاركها مع الجميع، ولكن السعادة الأكبر بتحققِ الحب، أو باللحظاتِ الجميلة أو السعادة ببلوغِ القمة; هذه لحظاتٌ ليست للتصويرِ ولا للمشاركة ولا للعامة، أحياناً نخافُ مشاركتها مع ذاتنا حتى لا تفقد لذتها.

في البداية كان العتبُ أكبر، لماذا لم تتكلم ولماذا لم تخبرينا ما الذي يجري، كان الظنُ في البدايةِ قلة اهتمام، ولكن مع تراكمِ السنوات نرى أن الألم والسعادة هم فعلاً جوانبُ خاصة، أكثر من المال أو العيالِ أو البناء، ولهذا لا عتب في محبة.

خصوصية الولادة كخصوصيةِ الموت، ولهذا فالطفل حين يولد يبقى الأجمل والأرق في عيون والديه، والموت هو الفاجعة والصدمة الأكبر، فللميتِ حقُ الدفنِ مرتاحاً دون أن يراه جميعُ من في القوم، وللأرواح حق التجول والترحال بين الناس دون أن نزعجها، دون أن نذكر الأمواتَ بأسمائهم في كل لحظة فنقلقَ راحتهم الأبدية.

خصوصيةُ الحب هي الأعظم، ولهذا لا تتعجبوا يوماً من أحباء لم تعرفوا بمدى سعادتهم إلا بعد موتهم، أو بعد تغير مسارِ قصتهم، فجمالُ الحميمية بسريته، وأوجُ الحبِ في خصوصيته بعيداً عن أعين المراقبين، وسأتفقُ مع العبارة التي تقول بأن أكثر العلاقاتِ صحة هي التي لا نرى آثارها بشكلٍ مستمر في كل مواقع التواصل الاجتماعي.
  

هوامش عن الموت 1

متى نعلم الناس بتلك الأخبار التي تزعجهم؟ والتي إن عرفوها لا يعودون لحظة للخلف. متى نقرر كيف نخبر الناس ما يؤلمهم أو يفرحهم، تلك الأخبار التي...